إعلانات


«أخبار الحمقى والمغفلين»

لم تكد تمر عشرون يوما على الحادثة التي يتابع فيها ابن والي كلميم بتهمة القتل الخطأ والسكر العلني والإفطار في رمضان، بعد اتهامه بصدم رجل شرطة وقتل مواطن، ها نحن نرى قبل أمس كيف أن شابا لم يتجاوز عمره ستة وعشرين عاما يجرجر فوق مقدمة سيارته شرطي مرور لأكثر من كيلومتر بعد أن حاول إيقافه بدون فائدة.
وإلى حدود الساعة لا نعرف ما إذا كان والد الشاب قد أدلى للشرطة بملف طبي يثبت إصابة ابنه بمرض «الاكتئاب الحاد» أو «الكورساكوف» أو «الكلاشنكوف». كما لا نعرف ما إذا تحولت «كانيطات» البيرة التي كانت في سيارته إلى «كانيطات» لبيرة حلال.
وقبل هذه «التجرجيرة»، تعرض رجلا شرطة في مراكش قبل أسبوع لوابل من الشتائم من طرف أبناء أحد الأثرياء لمجرد أن هذا الأخير مر «طائرا» بسيارته من أمام الشرطة، فصفر عليه أحدهم لكي يتوقف. لكن السائق واصل طيرانه وذهب لكي يوصل الفتيات اللواتي كن معه في السيارة، قبل أن يعود للبوليسيين ويشبعهما شتما وسبا. ولكي يختم مداخلته الشامتة قال لهما «غادي ندير لدين مكم مدار ليكم اليعقوبي».
وهنا اعتقله الشرطيان وسلماه للدائرة السادسة حيث مكث أربعة وعشرين ساعة رهن اعتقال من فئة خمس نجوم. وعندما عرض أمام وكيل الملك قرر هذا الأخير إطلاق سراحه وعدم متابعته لا بتهمة إهانة رجال الأمن ولا بتهمة السياقة في حالة سكر ولا بتهمة السرعة غير القانونية.
ويبدو والله أعلم أن أحدا من عائلته تطوع ربما وأقنع القضاء بعدم متابعة الولد بسبب حالته النفسية الصعبة.
فأبناء الأثرياء والذوات و«الألبة» في المغرب أصبحوا كلهم بمجرد ما يصبحون محل متابعة قضائية مخبولين ومعقدين نفسيين وحمقى يستخرج لهم أولياء أمورهم فجأة شواهد طبية تعفيهم من تحمل مسؤولية أفعالهم.
وعندما سمعت أن هيئة المحكمة بالدار البيضاء قررت الإفراج عن ابن الوالي ومتابعته في حالة سراح، وإسقاط المسؤولية المباشرة عنه في كل ما قام به نظرا لظروفه النفسية المرضية، تذكرت شيخا عجوزا يبلغ من العمر تسعين عاما اسمه أحمد ناصر وقف أمام هيئة المحكمة في اليوسفية بتهمة إهانة المقدسات. ورغم أن الرجل تقدم أمام هيئة المحكمة فوق كرسي متحرك، وكان واضحا من خلال هيئته وطريقة كلامه أنه يدخل في خانة الذين رفع عنهم القلم، ورغم أن عائلته لديها كل الشواهد الطبية الضرورية التي تثبت اختلال الرجل العقلي والنفسي، إلا أن هيئة المحكمة أصدرت في حق الرجل المقعد المجنون والذي شارف على التسعين من عمره، حكما بالسجن النافذ لخمس سنوات كاملة.
ولأن ظروف المعتقل أحمد ناصر الصحية جسميا وعقليا كانت فعلا صعبة، وتحتاج إلى عناية طبية مركزة وتساهل كبير من طرف العدالة، فقد مات الرجل في السجن دون أن يظفر بأية معاملة إنسانية تفضيلية كما يتمتع بها أبناء الذوات والعائلات الكريمة.
والفرق بين هؤلاء الذين لا «تأكل» شواهدهم الطبية أمام القضاء وبين أولئك الذين «تأكل» شواهدهم الطبية من اليوم الأول للاعتقال، هو الفرق نفسه الذي يوجد بين مجانين عائلات المزاليط ومجانين عائلات «الألبة».
مع فارق مهم كبير وهو أن عائلات المزاليط أكثر حرصا على سلامة المجتمع من حماقات ذريتهم، مقارنة بعائلات بعض «الألبة». فرغم الفقر والحاجة فإن هذه العائلات البسيطة عندما ترى أن أحد أبنائها أو بناتها أصبح يشكل خطرا على نفسه وعائلته وجيرانه، يأخذونه مباشرة إلى «بويا عمر» أو أحد أضرحة الأولياء الصالحين الذين يعتقدون بقدرتهم على شفاء الأمراض النفسية المستعصية، فيربطونه هناك بالسلاسل حتى يعود إلى رشده. فالعائلات المزلوطة ليست لديها الإمكانيات المادية لإرسال أبنائها المرضى إلى مصحات متخصصة في سويسرا أو إيطاليا كما تصنع العائلات الميسورة مع أبنائها المرضى العقليين.
والنقاش الذي أثير هذه الأيام بخصوص المرض النفسي والجريمة في وسائل الإعلام كان يجب أن يفتح عيون وزارة الصحة على الطريقة المهينة والفظيعة التي يدبر بها ملايين المغاربة الصحة العقلية والنفسية لأبنائهم.
فأغلبهم بسبب انعدام مؤسسات صحية عمومية متخصصة في العلاج النفسي والعقلي بمدنهم يلجؤون إلى الأضرحة والأولياء لاعتقال ذريتهم عراة حفاة وفي ظروف صحية مخجلة. اعتقادا منهم بأن اعتقال أبنائهم بالسلاسل والأقفال الصدئة في تلك الأماكن المتسخة والمظلمة سيساعدهم على استرجاع قدراتهم العقلية.
والواقع أن هذه الملايين من هذه العائلات الفقيرة تلجأ إلى هذا الحل لتكلفته البسيطة من جهة، ومن جهة أخرى لاتقاء شر أبنائهم المرضى العقليين. فاليوم في المغرب أصبحت أغلب العائلات لديها مريض نفسي أو مريضة عقلية يتعايشون معهم في البيت، ويحسبون لانفعالاتهم ونوازعهم الإجرامية ألف حساب. والذين يعيشون مع مختل عقلي أو مريض نفسي بالانفصام أو غيره من الأمراض النفسية الخطيرة، يعرفون أي جحيم هو أن تكون مجبرا طيلة الوقت على إخفاء سكاكين المطبخ والآلات الحادة في أماكن يصعب على المريض الاهتداء إليها. في مثل هذه البيوت تنام الأمهات بعين واحدة فقط، ويصبح إخوان المريض وأخواته مجندين باستمرار تحسبا للطوارئ. فلا أحد يمكن أن يتكهن بما يدور في ذهن مختل عقلي.
وهذه العائلات البسيطة التي ليس لها مال ولا جاه تلجأ إلى حبس أبنائها المجانين والمرضى النفسيين في البيوت وأقبية الأولياء حرصا على تجنيبهم الوقوع في قبضة الأمن والقضاء إذا ما دفعهم جنونهم إلى اقتراف جرائم أو مخالفات تقع تحت طائلة القانون. فهم يعرفون بحكم التجربة أن الشواهد الطبية التي سيدلون بها أمام القضاء لتبرئة أبنائهم المرضى لن تؤخذ بعين الاعتبار. والأمثلة كثيرة في هذا الباب.
فحسب إحصائيات قامت بها إحدى اليوميات بعد نازلة الحكم على الشيخ التسعيني، فقد حكمت محكمة اليوسفية وحدها ت خلال السنة الماضية على 42 مواطنا بتهمتي إهانة موظف وإهانة المقدسات، منهم سبعة مواطنين توبعوا بإهانة المقدسات جلهم من فاقدي القدرة على التركيز، ولديهم شواهد تثبت ذلك من مؤسسات صحية عمومية.
فيبدو والله أعلم أن محاكم المملكة لم تعد تعترف بشواهد «سبيطار برشيد» أو «سبيطار الغازي»، بل أصبحت تعترف فقط بالشواهد الطبية القادمة من مستشفيات سويسرية وإيطالية.
نعرف جميعا أن الذين يعيشون في المحنة ليسوا أبناء المصابين بأمراض نفسية سواء كانوا أثرياء أو مزاليط، وإنما الذين يعيشون في المحنة حقيقة هم الآباء. ولا أحد منا يتمنى أن يكون في مكان والي كلميم أو عائلة اليعقوبي أو عائلة مارية بنجلون، لأن كل من جرب العيش مع مريض نفسي تحت سقف بيت واحد يعرف أي جحيم هو أن ترى ابنك أو ابنتك تتعذب أمامك يوميا دون أن تستطيع انتشالها من القبو الذي تغرق فيه.
لكن إحساسنا بألم عائلات المرضى النفسانيين لا يجب أن يحجب عنا ألم العائلات التي تتحمل الخسائر الناتجة عن جنون وحماقات هؤلاء الآخرين.
وأنا هنا أستحضر صورة تلك المرأة التي ترملت في ريعان الشباب بعدما دهس ابن الوالي زوجها في الطريق، وأستحضر صورة أبنائها الثلاثة اليتامى الذين كانوا ينتظرون حلوى آخر أيام رمضان، فجاءتهم جثة والدهم ملفوفة في إزار.
إن العدالة الحقيقية هي أن نعطي لكل ذي حق حقه. وأن لا نعتبر حرية البعض أغلى من أرواح الآخرين.
المغاربة يقولون «الروح عزيزة عند الله»، والله تعالى يقول في سورة المائدة «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا».
فهلا امتدت يد رحيمة لإحياء تلك الأرملة التي اختطف منها زوجها وأولئك اليتامى الذين قتل الطيش والسرعة أحلامهم البريئة.

غير ديرها زينة، توصل توصل - رشيد نيني

أخيرا عدل الوزير الأول من تصريحه السابق الذي أنكر فيه وقوع أية أحداث في سيدي إفني، واعترف أمام ممثلي سكان المدينة الذين استقبلهم في الرباط بأن ما وقع ليس سوى سحابة صيف عابرة، وأن ذلك يحدث في كل مكان من العالم. وهذا يدل على أن عباس الفاسي غير نظارتيه الطبيتين، فأصبح يرى السحاب العابر فوق المدن المغربية بعد أن كان لا «يقشع» سوى الضباب.

لكنه عوض أن يقوم بدوره كوزير أول ويذهب إلى الراشيدية وميسور والناظور وبقية المدن التي اجتاحها الطوفان، وليس فقط سحابات صيفية هذه المرة، لكي يتفقد السكان المنكوبين ويسهر على تقديم العون لهم، فضل أن يأخذ الطائرة ويذهب في زيارة إلى كندا ليحضر المؤتمر العالمي للفرانكوفونية. هو الذي يترأس حزبا يجعل من «مقاومة» المد الفرانكوفوني في المغرب معركة سياسية ولغوية ذات أولوية، كان من بين آخر «غنائمها» إصدار قرار يقضي باستعمال اللغة العربية في الاجتماعات الرسمية. وعباس مغرم بركوب الطائرات. فهو من حيث عدد الرحلات الجوية التي قام بها في ظرف سنة واحدة من توليه رئاسة الحكومة، حطم الرقم القياسي لسابقيه، وأصبح يستحق لقب «عباس الفاسي أول وزير طائر»، على وزن «عباس بن فرناس، أول إنسان طائر».

فقبل شهر ونصف طار عباس إلى الصين، وقبلها بأسابيع طار في رحلة أوربية حملته من ساراقوسطة إلى باريس ومنها إلى إيطاليا. وعلى ذكر ساراقوسطة، فقد حصل رواق المغرب على الميدالية الذهبية بمناسبة مشاركته في معرض الماء خلال الصيف الماضي. وهذه نقطة حسنة تحسب لبوسعيد وزير السياحة الذي «حمر» للمغرب وجهه في هذا المعرض الذي زاره ملايين السياح من مختلف دول العالم. لكن «حمورية» وجه المغرب ستنقلب من «حمورية» بسبب الفخر إلى «حمورية» بسبب الحشومة. خصوصا عندما راسلت إدارة المعرض سفير المغرب بمدريد مطالبة إياه بإخبار حكومة بلده بضرورة تسديد واجبات الاشتراك في المعرض. ويبدو أن «الصبليون محمرين مزيان فالسفير عزيمان»، ولا يبدو عليهم ما يفيد أنهم مستعدون للتنازل عن فلوسهم.

طبعا هذه ليست أول مرة يحصل فيها المغرب على ميدالية ذهبية وفي الأخير «يطبز» لها العين. فقد حصل رياضيونا المعاقون على أربع ميداليات ذهبية في أولمبياد بكين لذوي الاحتياجات الخاصة، وعندما عادوا إلى المغرب لم يستقبلهم الوزير الأول، ورأينا كيف انتهت بطلة الأولمبياد في رمي القرص في مستشفى لإجراء عملية على الكتف على حسابها الخاص، وكيف نشرت بطلة الأولمبياد في الجري إعلانا للمحسنين تطلب فيه مساعدتها لشراء عدسات لاصقة تعوض نظارتيها الطبيتين الثقيلتين. فيبدو أن الفشل والفاشلين أصبح «ماركة مسجلة» في المغرب، وأصبح له نفوذ ومدافعون، إلى درجة أنهم أصبحوا مستعدين للقضاء على أية بارقة من النجاح في المهد قبل أن تكبر وتهدد مصالحهم.

وحتى عندما يريد المغرب أن يذهب برجليه إلى العواصم العالمية للبحث عن المغاربة المهاجرين الناجحين لكي يجلبهم إلى المغرب للاستفادة من خبراتهم، يعطي لهؤلاء المغاربة المهاجرين صورة سلبية من خلال أسلوب عمل بعض الشركات العمومية. وخلال الحادي عشر من أكتوبر الماضي نظمت شركات مغربية في موريال بكندا صالونا حول الشغل، بهدف البحث عن أطر مغاربة مهاجرة لتشغيلها في المغرب. وقد انتظر الكثير من الأطر المغاربة المقيمين بكندا حضور ممثلي المكتب الشريف للفوسفاط، من أجل معرفة تفاصيل العروض التي يقدمها المكتب للأطر المغربية، خصوصا وأنه اليوم يوجد في أزهى فتراته. لكن هواتف أعضاء الوفد ظلت خارج التغطية، وظل رواق المكتب في الصالون فارغا. مع العلم أن أعضاء الوفد كانوا موجودين في موريال وتقاضوا تعويضات السفر والعمل.

وهكذا أعطى أعضاء الوفد صورة سلبية في الخارج عن مؤسسة ناجحة في الداخل، استطاعت أن تضاعف مبيعات الفوسفاط في الأسواق العالمية ثلاث مرات محققة عائدات مهمة للاقتصاد الوطني.

أما شباط عمدة فاس الذي ذهب الجمعة ما قبل الفائتة إلى «مونبوليي» التي رتبطها اتفاقية توأمة مع فاس منذ 2003، لحضور حفل أقيم على شرف المغرب، فعوض أن يتحدث عن المغرب الذي استدعي إلى «مونبوليي» كضيف شرف في شخصه وشخص السجلماسي سفير المغرب بباريس، ومحمد المباركي الوزير السابق ورئيس غرفة الصناعة والتجارة بمونبوليي، قرأ شباط بتلعثم كبير الورقة التي «جبدها» لهم من جيبه حول فاس وتاريخ فاس. وكأن الملتقى كان على شرف فاس وحدها وليس على شرف المغرب بجميع مناطقه ولهجاته وثقافاته.

ومن حسنات هذه الملتقيات حول المغرب في الخارج والتي يحضرها السفراء المغاربة وقناصلتهم أنها توفر لبعض الطلبة المغاربة «المجلوقين» في أوربا فرصة «تحصال» هؤلاء المسؤولين ومحاصرتهم بالأسئلة المحرجة أمام ضيوفهم الأجانب.

وبمجرد ما أنهى شباط «مهاضرته» حول فاس وتبادل قصائد الإطراء والغزل مع محمد المباركي، والذي بدروه لم «يقصر» على شباط في مداخلته ورد له «الصرف» مديحا وإطراء، تدخل أحد الطلبة المغاربة وقال بمرارة أنه يشعر بالخجل لأن الطلبة الموريتانيين تخصص لهم حكومة بلادهم 400 أورو شهريا لكل طالب، بينما تخصص حكومة المغرب منحة قدرها 1500 أورو في العام لكل طالب. وهنا تدخل السجلماسي سفير المغرب في باريس لكي يشرح للطالب الغاضب أنه كان في شبابه طالبا مثله في «غرونوبل»، ويعرف ظروف الطلبة الجامعيين في فرنسا، وأنه اشتغل أيضا في مهن صعبة لكي يضمن مصاريف دراسته. وطبعا كان منتظرا من سعادة السفير أن يتدخل لكي يدافع عن سياسة حكومة عباس في دعم الطلبة المغاربة في الخارج، فالرجل تجمعه بعباس الفاسي علاقة مصاهرة. وسفارة المغرب بباريس تعتبر بشكل أو بآخر «إرثا دبلوماسيا» يوصي به الاستقلاليون لبعضهم البعض. لا ننسى أن عباس الفاسي نفسه مر من سفارة المغرب بباريس، وترك جذوره هناك قبل أن «يتقلع» نحو منصبه الوزاري.

وبعد دقائق قليلة سيعطي السجلماسي المثال الواضح على أنه ليس فقط على جهل بظروف الطلبة المغاربة بفرنسا، وإنما على جهل أيضا حتى بتواريخ تعيين القناصل التابعين له في فرنسا، والتي يوقعها بيده. فلكي يشرح للطالب بأن سفارة المغرب بباريس تسهر على شؤون الطلبة المغاربة والعمال المهاجرين في منطقة «غرونوبل» قال له بأن وزارة الخارجية ستبعث لهم بقنصل إلى هذه المنطقة. فأطل القنصل القادري برأسه من وسط المدعوين وقال للسفير السجلماسي بأنه يمارس مهامه في قنصلية «غرونوبل» «هادي عام ونص نعاماس». وبسرعة بديهته المعهودة رد عليه السجلماسي ضاحكا «بحال إلى عاد جيتي البارح».

وإذا كانت إسبانيا تطالب المغرب بتسديد مصاريف رواقه بمعرض ساراقوسطة للماء وتلمح إلى إمكانية الحجز على حسابات سفارة المغرب بمدريد إلى غاية استخلاص مستحقاتها، فإن الرئيس السنغالي عبد الله واد استقبل في دكار خلال الأسبوع الماضي عشرين مهندسا مغربيا لتوشيح صدورهم بأوسمة الاستحقاق على المجهودات الجبارة التي يبذلونها لإنزال الأمطار من سماء السنغال.

وكما لا يخفى عليكم فوزارة الفلاحة المغربية ترسل منذ أربع سنوات إلى السنغال فريقا من الخبراء والمهندسين المتخصصين في «تطياح الشتا» بواسطة تقنية كيميائية. أي أنهم يلاقون «السلوكا» للسحاب والغمام في السماء فتنزل الأمطار. وبفضل هؤلاء الخبراء المغاربة تضاعف إنتاج السنغال من الحبوب لموسم 2008 الفلاحي بحوالي 136 بالمائة، وتضاعف إنتاج الفستق بحوالي 250 بالمائة.

والحقيقة أننا عندما نرى كيف يجيد خبراء ومهندسو وزارة الفلاحة تقنية «تطياح الشا» في بلدان الأشقاء الأفارقة، فيرفعون إنتاجهم الفلاحي، نشعر بالغيرة ونتمنى أن تشمل وزارة الفلاحة أراضي الفلاحين الفقراء المغاربة الذين يعانون مع الجفاف منذ سنوات بكرامات هؤلاء التقنيين والمهندسين. «واخا غير يعصرو مرة مرة شي غمامة ولا جوج فالجنوب». أما في الشرق والشمال فالمطلوب من مهندسي وخبراء وزارة الفلاحة اكتشاف خلطة كيماوية لوقف معارك السحب والغمام في السماء والتي يؤدي ثمنها اليوم الآلاف من السكان المعزولين فوق الأرض في المدن والقرى النائية.

أما اسم هذه التقنية الكيماوية في حالة اختراعها فأنا أتبرع به لأخنوش وزير الفلاحة مجانا، وهو «تقنية الشتا على قد النفع».

«التدخين مضر بصحتك الجنسية،ننصحك بالامتناع عنه»/رشيد نيني

قرأت إعلانا نشر في إحدى المجلات الفرنسية أعتقد أن حكومتنا الموقرة فاتتها قراءته، ويتعلق بجامعة برلين الحرة التي تبحث عن متطوعين للنوم شهرين كاملين من أجل الاشتراك ببرنامج لاختبار أثر المريخ على وظائف جسم الإنسان.
أعتقد أن بعض البرلمانيين الذين يقضون فترة القيلولة تحت القبة المباركة، وبعض الوزراء الذين ينامون في دواوينهم على آذانهم ستكون مشاركتهم في هذا البرنامج ذات أهمية كبيرة. لأنهم سيقدمون لأول مرة في حياتهم خدمة نافعة للإنسانية. المشكلة الوحيدة في هذه المبادرة العلمية أن الجامعة الألمانية تصرف عشرين دولارا في اليوم فقط لكل مشارك في التجربة كمصروف الجيب، وهو مبلغ لا أعتقد أن أحدا من وزرائنا سيقبل به. فهم متعودون على الحصول على ملايين الدراهم كتعويضات على تنقلاتهم وسفرياتهم. أما التعويض عن النوم فيتقاضونه تقريبا كل شهر على شكل مرتبات، ولا حاجة لهم بقضاء ثمانية أسابيع بلا حراك فوق سرير تحت التجربة لمجرد معرفة تأثير المريخ على وظائف جسم الإنسان.
ويبدو أن الذي يهتم فعلا بوظائف جسم الإنسان ليس علماء الفلك بالضرورة، بل قد يكون رجل مسرح. ولعلكم تتذكرون كيف أن أحد المخرجين المسرحيين المغاربة اشترط عند انتقائه لفريق عمله المسرحي الجديد لأحد المواسم المسرحية الماضية أن يكون المرشحون من غير المدخنين، وذلك مساهمة منه في محاربة آفة التدخين التي تنخر أجساد المبدعين. وقد قرر المخرج كريم الفحل الشرقاوي أن يلعب مسرحيته «أهل المخابئ» ممثلون ليست لهم سوابق مع التبغ. وحسنا فعل الفحل عندما سن قراره الجريء هذا، فصدور رجال وبعض نساء المسرح والسينما والإبداع عموما في المغرب أصبحت من كثرة تعاطي السجائر شبيهة بمدخنات المصانع، زد على ذلك أن جيوبهم المثقوبة لا تحقق لهم أبسط شروط الحياة البسيطة فبالأحرى مصاريف الدخان. ونحن هنا لا نتحدث عن المبدعين والفنانين الذين يدخنون السيجار الكوبي، فهؤلاء سخنوا جيوبهم باكرا ولا يهمهم أن يسقطوا مرضى بسبب الدخان لأن مصاريف العلاج مضمونة في البنوك.
وقد سبق للفريق الاستقلالي عندما كان رئيسه هو حسن عبد الخالق، أن قدم مقترحا أمام البرلمان سنة 2006، يقضي بمنع بيع التبغ للقاصرين تحت طائلة الغرامة والسجن. وها قد انتقل حسن عبد الخالق من البرلمان إلى ديوان الوزير الأول، وانتقلت الحكومة بأسرها من يد الاتحاديين والتكنوقراطيين وأصبحت في يد الاستقلاليين، ومع ذلك لم نسمع أن واحدا من باعة التبغ للقاصرين تمت متابعته بهذا القانون. بل بالعكس، كل ما تفعله ياسمينة بادو وزيرة الصحة الاستقلالية هو تزويدنا بآخر إحصائيات المدخنين.
ففي السنوات الأخيرة أفادت دراسة صادرة عن مديرية علم الأوبئة التابعة لوزارة الصحة وبمساهمة المنظمة العالمية للصحة بأن 12 إلى 14% من الأطفال يشرعون في التدخين قبل أن يتجاوزوا المرحلة الابتدائية، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 60% لدى تلاميذ المدرسة الثانوية.
وسبق للمندوب السامي للتخطيط أن صرح خلال العام الماضي بأن ظاهرة المخدرات متنامية في أوساط الشباب. وأكد أن 13٫3% من ميزانية الاستهلاك لدى الفئة التي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة تخصص لاقتناء التبغ والمخدرات، مقابل 9٫6% فقط مخصصة للترفيه والثقافة. كما أوضح تقرير أعدته منظمة الصحة العالمية سنة 2005 أن ما تنفقه العائلات المغربية على التبغ يماثل تقريبا ما تنفقه على التعليم، وأكثر من نصف ما تنفقه على الصحة.
لكن المشكلة الحقيقية مع التدخين ليست هي مصاريفه المرتفعة ولا حتى الأمراض التي يلحقها بالجهاز التنفسي، ولكن تلك الأعطاب التي يلحقها بالجهاز التناسلي تحديدا.
فقد أجمعت الدراسات العلمية كلها على أن التدخين واحد من أهم العوامل التي تؤدي إلى ضعف الانتصاب، إلى جانب السكري والكوليسترول. فالتدخين يؤدي إلى تصلب الأوعية الدموية وبالتالي إلى نقص تدفق الدم إلى العضو التناسلي الذي ينتج عنه ضعف الانتصاب بسبب عدم وجود دماء كافية لملء «الأجسام الكهفية الشاحنة» المسؤولة عن أجهزة الدفع. والإشارة هنا إلى أجهزة دفع أخرى غير تلك التي تصاب بالعطب في المحطات التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، فينقطع الإرسال عن مناطق بحالها.

هذا بالنسبة للمدخنين من الرجال. أما بالنسبة للمدخنات من النساء فلم تصدر أية دراسة تربط البرود الجنسي عندهن بالتدخين. مع أن إحصائيات وزارة الصحة تدل على أن أعداد النساء المدخنات في تصاعد مقلق. والواقع أن أحسن طريقة لتحفيز المدخنين على ترك هذه البلية هو اللجوء إلى كتابة هذا التحذير فوق علب السجائر: «التدخين يضر بجهازك التناسلي، ننصحك بالامتناع عنه»، عوض ذلك التحذير المستهلك الذي لم يعد يخيف أحدا والذي يقول «التدخين مضر بجهازك التنفسي، ننصحك بالامتناع عنه».
وسيرى الجميع كيف سيتوقف الرجال عن شرب السجائر على الفور، فالمغاربة يحرصون على أجهزتهم التناسلية أكثر من حرصهم على أجهزتهم التنفسية بسبب إيمانهم الأعمى بأن الرجل عندما يصبح عاجزا يصير جديرا بقبر في الضاحية.
المشكلة في الانقطاع عن التدخين الآن هي أن المدمن على السيجارة لا يستعيد عافيته الجنسية إلا بعد مرور خمس سنوات على تاريخ انقطاعه عن التدخين. وليس أمامه خلال فترة النقاهة الطويلة نسبيا هذه سوى أن يصابر ويرابط وينتظر أن يأتي الفرج ذات ليلة.
لكن في هذا العالم الغريب الذي نعيش فيه لم يعد نافعا أن تكون فحلا أو غير فحل، وحده الاحتيال أصبح مطلوبا بإلحاح للخروج من مشاكل الحياة المعاصرة.
فبعض الرجال يعتقدون أنهم عقدوا قرانهم على نساء حقيقيات، إلى أن يأتي اليوم الذي يكتشفون فيه أنهم كانوا ضحية خلط جنسي مقصود. وما وقع لذلك المزارع الصيني المسكين الذي اكتشف أن زوجته التي أنفق عليها مبالغ هائلة من تحويشة عمره هي مجرد رجل متخف في ثوب امرأة، وقد اكتشف هذا الزوج المخدوع حقيقة زوجته بعد ستة أيام من زواجه منها، أو منه في الحقيقة.
وقد اكتشف الزوج المسكين حقيقة زوجته بعد أن اضطر إلى محاصرتها في غرفة النوم للقيام بما يقوم به عادة كل الأزواج ليلة الدخلة، لكن الرجل المتخفي في ثياب العروسة أدرك أن ساعة الجد قد حانت، فلم تنفعه أمام فحولة المزارع الصيني سوى سيقانه الرجولية المفتولة التي أطلقها للريح. وهنا عرف الزوج المخدوع من طريقة جري عروسته الأولمبية أنها رجل مثله، فتوقف عن مطاردته واستسلم للأمر الواقع.
الشيء ذاته حدث لطالب سعودي وقع في حب فتاة في إحدى غرف الدردشة على الأنترنيت، وبدأ معها إجراءات الزواج ليكتشف في الأخير أنها رجل بشنب حقيقي.
وذكرت صحيفة «الوطن» السعودية التي أوردت الخبر، أن أحمد طلب من حبيبته الافتراضية «دعاء» لقاءها قبل زيارة الأهل فتواعدا أمام مركز تجاري في شارع التحلية بجدة. ووعدته «دعاء» بأنها ستأتي بسيارة زرقاء بينما هو سيأتي بسيارة بيضاء. وكانت الصاعقة التي نزلت على الشاب عظيمة عندما نزل من السيارة الزرقاء «متروف» يافع بشارب ومنكبين عريضين ينظر إليه ويبتسم ويلوح إليه بيده وهو يقول «أنا دعاء يا أحمد ، أنا الذي كنت معك طيلة ثمانية أشهر».
فانهار أحمد ودخل المستشفى مصابا بنوبة عصبية.
فاللهم ألطف بعبادك المدمنين على التدخين، وأيضا على الدردشة في غرف الإنترنيت المغلقة.

من الخيمة خارج مايل/رشيد نيني

كان ضروريا أن تغرق الدار البيضاء ومراكش وغيرها من المدن لكي تتذكر شركات التدبير المفوض شيئا اسمه تطهير القنوات. وهي عملية روتينية تقوم بها هذه الشركات في الدول التي تحترم مواطنيها مع نهاية الصيف وبداية أولى قطرات فصل الخريف. لكنهم عندنا يتذكرونها فقط عندما تهطل الأمطار وتحول الشوارع إلى برك والأنفاق إلى مسابح، كما حدث في نفق مسجد الحسن الثاني الذي كان يلزمك أمس غواصة لعبوره وليس سيارة. عندما ترى عمال البلدية يزفتون شارعا أو ممرا، فكن على يقين أنهم سيعودون بعد أسبوع لينبشوا الزفت ويحفروا بحثا عن مكان لأسلاك الكهرباء التي نسوا وضعها في الأول. وبمجرد ما سيردم عمال الكهرباء التراب، طبعا مع تعويض الزفت بالتوفنة، ووضع ميزانية الزفت في جيب أحدهم، سيرجع بعد أسبوع عمال شبكة الهاتف لكي ينبشوا التوفنة بحثا عن مكان يضعون فيه أسلاكهم، لأن مهندسي البلدية عندما هندسوا الطريق لم يضعوا شبكة الهاتف في حسابهم. وهكذا تتعرض الطريق المزفتة حديثا إلى عمليات حفر متتالية، كل شركة تأتي لكي تحفر «جطها» وتضع أسلاكها على انفراد. ولهذا تجدون أن أغلب طرق المملكة وأرصفتها محفرة بسبب هذه النزعة «البوجعرانية»، نسبة إلى «بوجعران» وهواية الحفر التي يتمتع بها.

وليست الطرق وحدها التي تتعرض للخدمة «المعاودة» وإنما حتى المشاريع العمومية الكبرى. وقد اعترف عبد الحنين بنعلو مدير المكتب الوطني للمطارات في حوار أجريناه معه بأن سبب القطرة في المطار هو أشغال تثبيت الرادارات التي قام بها تقنيون بعد انتهاء أشغال بناء المطار التي أنجزتها شركة «إس جي تي إم» لصاحبها القباج، أخ الجنرال القباج بالمناسبة. مع أن القطرة نفسها نزلت في مطار مراكش ولم تكن هناك أشغال لتثبيت الرادارات أو غيرها. وفوق كل ذلك يرسل بنعلو إلى وزير التجهيز رسالة يطلب فيها التكفل ببناء مطارات عسكرية. (طفروه حتى في المدني بقاليهم غير العسكري).
ما وقع في الدار البيضاء وغيرها من المدن الغارقة لا يعري فقط الغش في الأوراش العمومية، ولكن أيضا يكشف عن نظرية مغربية قديمة في تدبير الشأن العمومي، وهي نظرية «وضع العربة أمام الحصان». وإذا كان هناك مسؤولون بلديون يبددون المال العام في الحفر المستمر، بسبب عدم قدرتهم على تكوين تصور شمولي للمشاريع التي يسهرون على تطبيقها، فإن هناك وزراء عباقرة يصرفون الميزانيات الضخمة لإنجاز مشاريع يهللون لها في جرائدهم الحزبية، وفي الأخير عندما يشترون المعدات والآليات بالملايير يكتشفون أنهم نسوا وضع القوانين التي ستشتغل بها هذه المعدات والآليات. أي أنهم كما يقول المغاربة «يسبقون العصا قبل الغنم». و«أحسن» من يطبق هذه النظرية في الحكومة اليوم هو كريم غلاب وزير التجهيز.
فالرجل ذهب إلى السويد وجلب مدونة للسير لازالت رغم كل الوقت الذي مر على استيرادها لم تجتز عتبة البرلمان. ورغم ذلك بدأ وزير التجهيز في تطبيق بنودها عندما عقد صفقة مع إحدى الشركات واشترى كاميرات لمراقبة السرعة وغرسها في مداخل المدن وتركها تصدأ على مهل دون أن تشتغل. ولو أنه ترك الكاميرات تصدأ وترك معها «طرانكيل» ميزانية الوزارة لقلنا «مكاين باس، مكتوب الله وكايتصرف علينا»، لكن أن ينشر سعادة الوزير إعلانا في الجرائد يطلب فيه من الشركات إمداده بطلبات عروض لاقتناء «بياسات دوبلفي» لتعويض تلك «بياسات» المعطلة في الكاميرات التي لم تشتغل قط. فهل رأى أحدكم آلة لم تشتغل من قبل يبحث لها صاحبها عن «بياسات» جديدة لتعويض «بياساتها» القديمة لأنها غير صالحة للاستعمال. شخصيا لم أسمع بهذا من قبل. سمعت بمسؤولين يصرفون الميزانيات لتغيير «البياسات» رغم أنها تشتغل، بهدف توفير مصروف «الجيب»، لكن هذه أول مرة أسمع بمسؤول يريد تغيير «بياسات» آلات رغم أن هذه الآلات لم تشتغل قط.
أما آخر عبقريات كريم غلاب فهي إصداره للبطاقات الرمادية ورخصة السياقة الممغنطة الجديدة، وتوزيعها على المواطنين، دون أن يفكر سعادة الوزير في توفير آلات «الترمينال» التي يستعملها رجال الشرطة في قراءة هذه البطائق الممغنطة. ولم يراود خيال وزير النقل للحظة واحدة أن البطاقات التي كلف شركة خاصة بإنجازها تلزمها آلات لقراءة معطياتها، إلا بعد وصول البطاقات الممغنطة إلى مستعملي الطريق. وهاهو اليوم يكتشف «خفته» ويعلن عن طلب عروض عمومي لاقتناء آلات «الترمينال». وبانتظار أن ترسو الصفقة على أحدهم، يلزم الشرقي أضريص مدير الأمن الوطني أن يطالب وزير التجهيز بتمويل حملة طبية لمراجعة النظر لدى شرطة المرور. فبسبب صغر الحروف التي كتبت بها المعلومات الشخصية للسائقين فوق البطائق الممغنطة، أصبح أغلب رجال الشرطة محتاجين إلى نظارات طبية لتهجي حروفها كلما أوقفوا سائقا من ذوي البطاقات الممغنطة.
وبالإضافة إلى خروج كريم غلاب على نظر شرطة المرور، ببطاقاته الممغنطة، خرج أيضا على رزق أولئك العمال البسطاء الذين يغلفون بالبلاستيك رخص السياقة ويسترزقون الله في بيع تلك «البزاطم» التي تحفظها من التلف. وهكذا عوض أن يوفر غلاب على الدولة مصاريف إضافية بمشروعه العبقري، هاهو يساهم في تبديد المزيد من الأموال العمومية والقضاء على فرص الشغل والتسبب في انقراض مهن يأكل منها مئات المواطنين الخبز.
وليس وزير النقل والتجهيز وحده من «يسبق العصا قبل الغنم»، ويصدر البطائق الممغنطة حتى قبل اقتناء الآلات لقراءتها، بل حتى وزير الداخلية الذي ورث مشروع البطائق الوطنية البيوميترية عن سلفه الجنرال العنيكري من شركة «طاليس»، لديه نفس المشكل. فوزارة الداخلية تصدر البطائق البيوميترية للمواطنين بالقطارة، مع أن سيارات رجال الأمن غير مزودة بآلات «تيرمينال» لقراءة معطياتها. الأمر أشبه ببنك يعطي بطاقة بنكية لزبون ويحرم أصحاب المحلات والمطاعم والمتاجر من الآلة التي يستخلصون منها فواتير الزبناء. وكأنهم يعطونك البطاقة البيوميترية لتحتفظ بها في جيبك كديكور فقط.
والمصيبة أن كثيرا من المواطنين سمحوا لشكيب بنموسى في هذه البطائق بسبب التأخير الذي تواجههم به إدارات الأمن. وأعرف سيدة سرقت منها بطاقتها الوطنية وذهبت لكي تستخرج البطاقة الجديدة، ومنذ شهر ونصف وهي طالعة نازلة طالعة نازلة إلى أن طلع لها «الزعاف» في الأخير وقررت أن تنسى الأمر. والسبب حسب ما شرحه لها أحد الموظفين هو أن بصماتها لا «تخرج» جيدا في الآلة الجديدة التي اشتروها لهذا الغرض. وحاول صديقنا الموظف أن يفهم السيدة بأن المشكلة في بصماتها وليس في الآلة، وكأنه يريد أن يفهمها أن بصماتها ملحوسة مثل عجلات السيارة، بسبب كثرة «الشقا». مع أن بصمات السيدة نفسها «خرجت» واضحة في آلة القنصلية الفرنسية عندما ذهبت إليها لكي تستخرج التأشيرة البيوميترية.
وبالإضافة إلى افتقار سيارات الشرطة ومقرات الأمن إلى آلات «تيرمينال» لقراءة معطيات البطاقات البيوميترية، يفتقر مشروع هذه البطاقات إلى قانون ينظم نوعية المعلومات الشخصية المسموح بتضمينها ذاكرة البطاقة. فالمغاربة يجهلون أن هذه البطاقات تحمل في ذاكرتها معلومات دقيقة عنهم وعن ماضيهم وحتى أرقام حساباتهم البنكية. وفي فرنسا مثلا من حق أي مواطن أن يذهب إلى مقر الأمن ويطلب الاطلاع على نوعية المعلومات التي تتضمنها بطاقته البيوميترية، كما لديه الحق في رفع دعوى قضائية ضد الأمن لإزالة المعلومات التي يرى فيها تدخلا غير مشروع في حياته الخاصة. ففي فرنسا كما في الدول الديمقراطية الأخرى هناك ما يشبه هيئة على شاكلة هيئة تقنين الاتصالات في مجال الهاتف، يعهد إليها بتحديد دقيق للمعلومات الخاصة التي ستتضمنها البطائق البيوميترية. حتى لا يأتي من يتهم الأمن بالتجسس على الحياة الخاصة للمواطنين. وعندما يبشرنا القباج والي الدار البيضاء أو شباط عمدة فاس بقرب تنصيب كاميرات للمراقبة في الشوارع والساحات، لا أحد منهما سأل نفسه عن القانون المنظم لوضع الكاميرات في الأماكن العمومية. وهل من حق السلطة مثلا نصب كاميرا للمراقبة أمام بيت مواطن يظل مراقبا طيلة اليوم والليلة.
ولعل المثال الساطع على إصابة بعض الوزراء بقصور في النظر، مما يجعلهم يصرفون أموال الشعب في غير المكان الذي كان يجب أن تصرف فيه، التقرير الأخير الذي صدر بمناسبة انتهاء «مشروع إصلاح قطاع الصحة» الذي انطلق منذ 1999 واستمر إلى حدود 2003 بغلاف مالي قدمه البنك الدولي للمغرب بلغ 550 مليون درهم لكي تؤهل خمس مستشفيات فقط. والنتيجة التي خلص إليها التقرير هي أن وزارة الصحة على عهد الشيخ بيد الله، أحد «نجوم» حزب الأصالة والمعاصرة اليوم، صرفت كل هذه الأموال على ترميم الحيطان وبناء المرافق الطبية. وهكذا تسلمت بعض المستشفيات معداتها الطبية قبل استكمال البناء، وبعضها الآخر توصل بالمعدات الطبية دون أن يتمكن من استعمالها. والسبب هو أن الآمرين بالصرف ركزوا على الجدران والآلات ونسوا أن يستثمروا في التكوين والموارد البشرية. هكذا استثمرت الوزارة في المعدات ونسيت الاستثمار في الأدمغة والأيادي التي ستشغل هذه المعدات. فبقي أغلبها يصدأ مثلما تصدأ كاميرات غلاب في مداخل المدن ومخارجها.
وعوض أن تعترف وزيرة الصحة بهذه الحقيقة التي جاء بها هذا التقرير الصادم الذي يجب أن تحاسب به في البرلمان، فضلت أن تقول في جلسة هذا البرلمان ليوم الأربعاء الماضي جوابا عن سؤال لنائب حول حاجة منطقته الملحة في الجنوب لأطباء، أن السبب في وجود هذا الخصاص هو رفض الطبيبات المتزوجات الالتحاق بأماكن عملهن في المناطق النائية. وهذه مغالطة كبيرة، لأن الوزيرة تعرف أكثر من غيرها أن الطبيبات المتزوجات اللواتي ترفض ثمانين منهن الالتحاق بأماكن تعيينهن يضعن في لائحة الأماكن التي يودون الذهاب للعمل فيها مناطق نائية كوجدة وبركان وتازة وطنجة.
إن مشكلتنا مع كل هذه الحكومات المتعاقبة علينا هي أن بعض وزرائها يضعون العربة أمام الحصان، ويستغربون لماذا لا تسير القافلة. وإذا لم يتعلم هؤلاء أن المكان الطبيعي للحصان يوجد في مقدمة العربة، فإننا سنبقى واقفين هكذا لمزيد من الوقت، بينما عربات الدول الأخرى تمر من حولنا.
اللهم إلا إذا كان الحصان «ديال بلعاني وحنا ما فراسناش».

حاطب الليل/رشيد نيني

عشر سنوات كاملة هي المدة التي احتاجتها الشركات التي تعاقبت على بناء المقر الجديد لمجلس المستشارين، والذي تم افتتاحه بمناسبة انطلاق الدورة الخريفية للبرلمان. ووحده المبلغ الذي صرفه البرلمان على بناء غرفته الثانية يصيب بالدهشة، فقد كلف غلافا ماليا قدره 242،8 مليون درهم. كل هذا المال وهذه السنوات الطويلة من البناء والتشييد لم تمنع القطرة من التسرب من سقف المبنى الجديد بسبب الأمطار الأخيرة. وقد كنا نؤاخذ محطة الوصول الثانية بمطار محمد الخامس على كون القطرة سالت فيها بعد سنة واحدة من تدشينها، وها نحن اليوم نرى كيف أن عكاشة رئيس مجلس المستشارين ينتزع الرقم القياسي من عبد الحنين بنعلو مدير المكتب الوطني للمطارات، فالقطرة سالت من سقف المجلس الموقر أسبوعين فقط على تدشينه. ويبدو أن «المتضرر» الأكبر من الأمطار الغزيرة التي تتساقط على المغرب هذه الأيام ليس فقط المواطنون العزل في القرى والبوادي المنسية، ولكن أيضا المؤسسات العمومية المنتهية حديثا من البناء. وإذا كانت لجان قضاة المجلس الأعلى للحسابات يزورون هذه المؤسسات للتدقيق في فواتير الصفقات والمصاريف، كتلك اللجنة التي ترابط في المكتب الوطني للمطارات منذ أكثر من سنة، فإن «الشتا ديال مولانا» تدقق في جودة البناء. وإلى حدود اليوم، ونحن لا زلنا بعد في شهر أكتوبر، كشفت الأمطار عورة العديد من المشاريع والمؤسسات العمومية، وجرفت في طريقها عدة «قناطر وطرق» بنيت في الفترة الأخيرة وقدمت للملك كمشاريع تنموية ستغير وجه المغرب من طرف عراب خريجي مدرسة «الطرق والقناطر» بباريس.
وإذا كان نزول القطرة من سقف المؤسسات العمومية المنشأة حديثا وتحمل سقوف المؤسسات العمومية التي تركها الاستعمار الفرنسي للأمطار، أمرا مخجلا ويتطلب فتح تحقيق قضائي مع الشركات التي تكلفت بأعمال البناء، والجهات المشرفة على المشروع والآمرين بالصرف، فإن نزول القطرة في مؤسستين مهمتين وذات رمزية سيادية كبرى، مثل المطار ومجلس المستشارين، يعتبر أمرا غاية في الخطورة.
لماذا. ببساطة لأن الأمر يتعلق بأهم مطار في المملكة، هو مطار محمد الخامس، الذي يعتبر البوابة الرئيسية للمغرب ووجهه المطل على العالم بأسره. وإذا رأى القادمون إلى المغرب ومغادروه برك الماء الناتجة عن تساقط الأمطار في أكبر وأهم وأقدم مطار في المملكة، فإنهم بلا شك سيكونون صورة سيئة عن باقي المؤسسات العمومية الأخرى. فإذا كان سقف المطار الدولي للمملكة يسيل مع أول قطرات المطر، فما بالك بالمؤسسات الأخرى.
أما نزول القطرة في مجلس المستشارين فهذه فضيحة سياسية كبرى، قبل أن تكون فضيحة «بنيوية». لأنها تكشف إلى أي حد وصل الاستهتار بالمال العام. فمؤسسة البرلمان التي يفترض فيها أن تراقب أوجه صرف أموال دافعي الضرائب، وممارسة الرقابة على المشاريع العمومية وميزانياتها، عاجزة حتى عن ضمان تسليم المقر الجديد لغرفته الثانية في موعده. ولذلك تجرجر موعد تسليم المقر لعشر سنوات كاملة، وفي الأخير عندما سلمت الشركة عكاشة مفاتيح المقر الجديد بللت القطرة جدرانه منذ الأسبوع الأول.
ولعل هذه الفضيحة هي التي كان على النواب مناقشتها خلال الجلسة العاصفة ليوم الأربعاء الماضي في البرلمان، حيث اختلط الأمر على شباط عمدة فاس واعتقد للحظة أنه في حديقة للحيوانات فخاطب أحد نواب العدالة والتنمية قائلا «لا تنبح يا أخي لا تنبح».
والذين تابعوا تلك الجلسة البرلمانية غسلوا أيديهم على البرلمان وما يمكن أن يأتي منه. فقد رأوا وسمعوا كيف يترك بعض النواب من درجة أميين مناقشة قضايا الشعب الحقيقية جانبا ويتفرغون لإظهار مهاراتهم اللغوية المستمدة من قواميس «السوق».
خصوصا وأن هذا السيرك جاء مباشرة بعد حفل افتتاح البرلمان حيث «حفن» بعض البرلمانيين والمستشارين الحلوى وجمعوها في أكياس لكي يحملوا «الباروك» إلى عائلاتهم.
إن تسرب القطرة إلى الغرفة الثانية وتسرب أمثال هؤلاء النواب إلى الغرفة الأولى، ليس سوى تجسيد لوصول الغرفتين معا إلى مرحلة الإفلاس السياسي.
فالبرلمان كمؤسسة لمراقبة الشأن العام، لا يستطيع حتى مراقبة طريقة بناء غرفته الثانية، والبرلمان الذي يعتبر مؤسسة يفترض فيها أن تعطي دروسا للمواطنين في تدبير الاختلاف السياسي، أصبح مدرسة لأنصاف الأميين يأتون إليه لكي يقلوا فيه حياءهم على بعضهم البعض، ويفرجوا الشعب في مهاتراتهم الفارغة، عوض مناقشة قضاياه المصيرية. والبرلمان الذي اخترعته الديمقراطية ونصت على ضرورة وجود معارضة وأغلبية به، أصبح عندنا شبيها بصحراء شاسعة تتسكع فيه قوافل النواب الباحثة عن الكلأ السياسي. ووحده حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يمض على تأسيسه سوى شهرين أصبح يضم أكبر فريق برلماني باستطاعته زعزعة كرسي الوزير الأول من مكانه.
ولهذا نفهم غضب الخياري أمين عام جبهة القوى الديمقراطية عندما رفع دعوى قضائية ضد نائبيه اللذين هجرا حزبه وارتميا في أحضان الأصالة والمعاصرة. فهذا القرار قد يعتبره البعض إجراء ديمقراطيا للقضاء على ظاهرة النواب الرحل، لكن الواقع أن هذا القرار ليس سوى مناورة سياسية لا تقل سريالية عما قام به النائبان المحترمان. فالخياري عندما استقبل النائب محمد بنعطية وأعطاه التزكية في انتخابات 2007، كان يعلم أن هذا المرشح لم يحصل على التزكية لأنه ناضل في صفوف شبيبة جبهة القوى الديمقراطية وترقى المراكز إلى أن وصل إلى مستوى تمثيل الحزب في الانتخابات، وإنما يعلم الخياري أكثر من غيره أن محمد بنعطية مر قبل الوصول إلى باب «الجبهة» بأبواب ستة أحزاب قبله. فقد بدأ في التقدم والاشتراكية وهاجر إلى حزب القوات المواطنة، ثم انتقل إلى الحركة الشعبية سنة 2003، ولم يعمر بها طويلا وانتقل إلى الحزب الوطني الديمقراطي سنة 2004، ولم يصل إلى حزب الخياري سوى بمناسبة انتخابات 2007 وحصل على تزكيته بعد أن فشل في إقناع أربعة أحزاب بتزكيته في هذه الانتخابات.
لكن الخياري «مول الجبهة» لم ير كل هذه الرحلات المكوكية لعضو حزبه في البرلمان، إلا عندما قرر هذا العضو ركوب «التراكتور» والالتحاق بالهمة مثل غيره من الراغبين في الالتحاق بالثلث الناجي. فقام بتسجيل دعوى ضده في المحكمة.
ولذلك فالخياري عندما يقاضي برلمانييه بتهمة «قلب الكبوط»، لا يصنع ذلك حرصا على الديمقراطية المغتصبة، وإنما انتقاما للثقة التي خانها هؤلاء النواب، خصوصا بالنسبة إلى محمد بنعطية الذي زكاه الخياري في وقت رفض فيه الجميع تزكيته.
ولا بد أن أكبر من سينشرح صدره لهذه الدعوى القضائية التي رفعها زعيم الجبهة ضد محمد بنعطية هو إسماعيل العلوي أمين عام التقدم والاشتراكية. ومولاي إسماعيل وقع له مع بنعطية ما وقع لذلك البدوي الذي زينوا له بيع عجله الوحيد لكي يحج بثمنه، وفي الأخير خرج من السوق بلا عجل وبلا حج. فقد كان بنعطية أكبر من شجع مولاي إسماعيل العلوي على ترشيح نفسه في سلا الجديدة في انتخابات 2002، بعد أن كان الرفيق إسماعيل يترشح دائما في سيدي قاسم ويفوز بمقعده. فقد كان بنعطية مستشارا جماعيا في سلا الجديدة وزين للرفيق فكرة ترشيحه إلى جانبه. وكما كان منتظرا سقط إسماعيل العلوي في سلا الجديدة، وفهم بعد فوات الأوان أن بنعطية «فرش له التبن فوق الما»، خصوصا عندا رآه يضربها «بسلتة» من حزب الرفاق التقدميين أياما قليلة قبل الانتخابات التي كان يعول فيها عليه سعادة الأمين العام، ملتحقا بحزب القوات المواطنة الذي زكاه في سلا الجديدة، فسقط هو الآخر في الانتخابات. ولم ينجح في الوصول إلى «بر لامان» إلا في انتخابات 2002 بتزكية من الحزب الوطني الديمقراطي.
وهاهو اليوم ينتهي أمام القضاء مع الخياري بتهمة «قلب الكبوط» الحزبي عليه.
هذه عينة صغيرة من البرلمانيين الذين يتهافتون على الالتحاق بفريق التراكتور البرلماني. وإذا كان المغاربة قد انشغلوا بتتبع مسلسل «عازف الليل» سنوات الثمانينات، فإنهم اليوم بفضل البرلمان وتحالفاته العجيبة سيتابعون مسلسلا مشوقا اسمه «حاطب الليل». فيبدو أن فريق الهمة البرلماني يحطب النواب تحت جنح الظلام، ولذلك ليس مستغربا أن يعثر في الصباح ضمن أكوام الحطب التي جمعها بالليل على بعض الأفاعي والعقارب. فالحطب في الليل مثله مثل «خدمة الليل»، يصبح «ضحكة للنهار».
فهل بهاتين الغرفتين في مجلس النواب ومجلس المستشارين سنبني مغرب الغد، مغرب الديمقراطية والحداثة يا ترى.

رشيد نيني :المرقعون الجدد

خلال السادس عشر من أكتوبر الماضي ترك المرشحان الأمريكيان للرئاسة، جون ماكين وباراك أوباما خلافاتهما السياسية جانبا وجلسا معا إلى مائدة واحدة في حفل عشاء يتبادلان النكت الساخرة من أجل إضحاك المدعوين لحثهم على التبرع بأموالهم لصالح مشروع خيري.
وقلت مع نفسي أن الطبقة السياسية المغربية مدعوة لتأمل هذه التجربة، فلدى رجالها ونسائها القدرة على إضحاك أغنياء هذا البلد ودفعهم إلى فتح حافظات نقودهم للتبرع للشعب المنكوب. خصوصا مع كل هذه الفيضانات التي تضرب وتقتل وتشرد المواطنين في أكثر من مدينة مغربية.
ولعل ما تحتاجه الحياة السياسية المغربية بالضبط هو القليل من الفرجة الساخرة، وما وقع في البرلمان في جلسته الأخيرة عندما أطلق شباط لسانه الطويل في زملائه البرلمانيين يعطينا فكرة حول مقدرات بعضهم الخارقة في تحقيق نبوءة الحسن الثاني الذي وصف البرلمان ذات وقت بالسيرك.
وإلى حدود اليوم لم نربح من وراء البرلمان شيئا يذكر، بل بالعكس، سنويا تخصص وزارة المالية لغرفتيه ميزانية ضخمة. وحتى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تخصص له نسبة من تذاكر الحج مجانا، كما لو أن هؤلاء البرلمانيين الذين يحجون مجانا على حساب دافعي الضرائب مخصوصون. ووحده حفل افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، حين تهافت البرلمانيون والمستشارون وموظفو البرلمان وحراس أمنه وبعض الصحافيين «المعششين» فيه، على الحلويات و«الأعاصير» (ولو أنه لا يوجد إعصار آخر أشد من هؤلاء) كان كافيا، لو نقل مباشرة في التلفزيون، لكي يشد إليه انتباه الملايين من المشاهدين.
لذلك فإن فكرة إعداد حفل شهري «آكل» عوض حفل ساهر، كالحفل السنوي الذي رافق افتتاح البرلمان، ونقل «أشغاله» مباشرة في التلفزيون سيحقق نسبة مشاهدة عالية جدا. خصوصا إذا أعلنت الجهة المنظمة أن عائدات الإشهار الذي سيربحه التلفزيون من وراء هذا «الحفل الآكل» ستخصص لمساعدة العائلات المنكوبة في الناظور والراشيدية وميسور بعد الفيضانات المهولة التي ضربتها مؤخرا.
أما جلسات البرلمان الأسبوعية فمن الممكن جدا تحويلها إلى عروض هزلية مفتوحة طيلة أيام الأربعاء من الصباح إلى المساء بدون توقف. وبالإضافة إلى نقل هذه العروض الهزلية عبر التلفزيون الرسمي، يمكن أيضا عرض تذاكر الدخول لمشاهدة العروض البرلمانية مباشرة بأسعار مرتفعة موجهة للطبقات «المرفحة».
فأغنياء المغرب العريقون في الثراء، حتى لا نقول الغريقون، يحتاجون من أسبوع لآخر لأن يروحون عن أنفسهم من عناء جمع «وسخ الدنيا» برؤية بعض الأثرياء الجدد من محدثي النعمة كولد العروسية وشباط. ولذلك فمن السهل بيعهم التذكرة الواحدة بخمسة آلاف درهم أو أكثر. فليس من رأى كمن سمع، ورؤية «الممثلين» البرلمانيين مباشرة وهم «يلعبون» أدوارهم ليست كرؤيتهم عبر شاشة التلفزيون.
ولا بد أن هؤلاء الأثرياء سيجدون متعة خاصة في التبرع لصالح المنكوبين من أبناء هذا الشعب بثمن هذه التذاكر البسيطة. فإلى حدود اليوم لم نسمع أن ثريا مغربيا تبرع بهبة مالية لصالح ضحايا الفيضانات الأخيرة التي شردت الآلاف من المغاربة. وكل ما سمعناه هو أن ثريا كبيرا ووزيرا أول سابقا اسمه كريم العمراني، تبرع لمؤسسة «1200 سنة على تأسيس المملكة المغربية» بمبلغ مالي لترميم أحد أبواب فاس العتيقة. وهذا أيضا يمكن إدخاله كفقرة ضمن العروض الساخرة لرجال السياسة المغاربة السابقين. فكريم العمراني الذي رق قلبه لباب من الطوب وتبرع بماله من أجل ترميمه، لم تهتز شعرة واحدة في رأسه وهو يرى خمسمائة عامل من عمال شركته «سيما خشب الأطلس» بسيدي معروف وهم يضربون عن العمل منذ غشت الماضي وإلى اليوم احتجاجا على طرد أربعين من زملائهم بعد أن عاقبتهم الإدارة على «جريمة» التفكير في تأسيس مكتب نقابي.
ويبدو أن الوزير الأول السابق يجهل أن البشر أولى من الطوب والحجر، ومكان إنقاذ الأبواب الخربة كان عليه أن يفكر أولا في إنقاذ مستقبل أطفال خمسمائة أسرة يرتبط خبزهم اليومي مباشرة بمصنع كريم العمراني. بالإضافة إلى أنه كوزير أول ووزير مالية سابق، كان يجب أن يكون أول من يشجع عماله ومستخدميه على تأسيس المكاتب النقابية في مصانعه وشركاته. لا أن تطرد إدارة مصنعه أربعين عاملا دفعة واحدة فقط لأن هؤلاء العمال فكروا في تطبيق قانون الشغل وتأسيس مكتب يمثلهم نقابيا أمام مشغلهم.
ولعل هذا التصرف يكشف الفرق الكبير بين الخطب والتنظير في التلفزيون عندما يكون الإنسان في السلطة، وبين ما يفعله في الواقع عندما يغادرها. وهذا جانب آخر من سخرية وهزلية الحياة السياسية المغربية المعاصرة، والذي يستحق أن يكون موضوعا للفرجة الخيرية مثله مثل الفرجة الخيرية التي يمكن أن «يتبرع» بها ممثلو الشعب على الشعب.
ومثلما هناك ظاهرة في المغرب اسمها ظاهرة ترقيع البكارة بالنسبة للفتيات المقبلات على الزواج، هناك بالمقابل ظاهرة أخرى اسمها ترقيع البكارة السياسية بالنسبة للسياسيين المقبلين على الانتخابات.
والمتأمل لتصريحات بعض هؤلاء الزعماء السياسيين يتأكد من حقيقة واحدة، وهي أن هؤلاء السياسيين الباحثين عن ترقيع بكارتهم السياسية على بعد أشهر من الانتخابات المقبلة، ممثلون محترفون لا يشق لهم غبار.
ولو أن هؤلاء السياسيين يفكرون في فتح «عروضهم» السياسية الساخرة للعموم وتخصيص عائدات هذه العروض لدعم الأعمال الخيرية، كما صنع ماكين وأوباما، لاستطاعوا جمع عائدات مالية ضخمة لضحايا الفيضانات الأخيرة.
فهذا الحبيب المالكي وزير التعليم السابق، ينتقد زميله السابق في الحكومة ورفيقه في الحزب، فتح الله والعلو، ويلصق فوق يديه وحده دم الاتحاد الاشتراكي. فحسب الحبيب المالكي، وزير الشوكولاته والورد في حكومة اليوسفي وجطو، فإذا كان هناك من «خرج» على الاتحاد الاشتراكي فهو فتح الله والعلو وزير المالية السابق لعشر سنوات كاملة. وذلك بسبب سياسته المالية والضريبية التي ركزت على التوازنات الكبرى وأهملت القدرة الشرائية للشعب البسيط الذي أوصل والعلو، ومعه بقية الوزراء الاتحاديين إلى الحكومة.
والمضحك في كلام الحبيب المالكي ليس كونه يعكس الحقيقة، ولكن كونه لم يقله عندما كان «مخيما» في الحكومة مع والعلو لعشر سنوات كاملة، وإنما انتظر حتى خرج منها لكي يعترف بهذه الحقيقة.
والسبب الحقيقي في هذه «الخرجة» ليس هو الحرص على القدرة الشرائية لبسطاء الشعب التي دمرها والعلو، وإنما تحديدا الرغبة في تدمير والعلو سياسيا وترقيع البكارة السياسية لكي يستولي الحبيب المالكي مع لشكر على رئاسة الحزب في المؤتمر المقبل.
والشيء نفسه بالنسبة لسعيد السعدي الوزير السابق الذي استقال مؤخرا من عضوية الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية احتجاجا كما قال على تخلي الحزب عن دعم مطالب الشعب. فلم يلاحظ سعيد السعدي سوى اليوم، وعلى بعد أشهر من الانتخابات، أن حزبه الذي لا يكاد يحصل على مقاعد برلمانية إلا بشق الأنفس، قد استقال من مهمة الدفاع عن الطبقات الشعبية منذ سنوات طويلة.
أما محمد أوجار، وزير حقوق الإنسان السابق وعضو الديوان السياسي للأحرار، فليس أحسن حالا من الآخرين. ومن كثرة تغييره لمعطفه السياسي أصبح يقف شبه عار تتقاذفه «التيارات» الهوائية في الشارع السياسي.
إنهم يرقعون بكاراتهم السياسية التي افتضتها السلطة عندما «مارسوها». فالسلطة مثلها مثل ليلة الدخلة، عندما تمر منها يجب أن تترك فيها عذريتك. لذلك فقبل أن يفقد الواحد عذريته عليه أن يعرف أنه سيفقدها إلى الأبد. والأهم من ذلك كله، أن يعرف لمن سيهديه

رشيد نيني:ديمقراطية الملاسة

اقترح أحد الأساتذة الجامعيين خلال ندوة أكاديمية في الجديدة على هامش مهرجان الفرس، إحداث ماستر جديد لنيل شهادة الدكتوراه في علم الفروسية. وقال بأن علم «التبوريضة» محتاج إلى تعميق النقاش الأكاديمي حوله، خصوصا حول الأدوات التي تدخل ضمن مستلزمات «التبوريضة» والتي يحتاجها الفرس والفارس لكي يمنح الجمهور فرجة ناجحة. وهكذا بقليل من الإلحاح، والله يحب العبد الملحاح، قد ينجح هذا الأستاذ الجامعي في إضافة تخصصات جديدة في شعبة الماستر بالجامعات المغربية. فيصبح لدينا طلبة باحثون متخصصون في تاريخ الصفيحة، وآخرون متخصصون في السروج والمكاحل.
ولعل التخصص الآخر الذي يجب إحداثه أيضا في الجامعات المغربية هو السحر. فالمغرب لديه شهرة عالمية في هذا التخصص، ومن يشاهد القنوات العربية، وخصوصا قناة «إم بي سي» السعودية ويتابع كل تلك البرامج التي تقدمها حول مصارعي الجن في المغرب والساحرات اللواتي يشرحن للمشاهدين دون أن يرف لهن جفن كيف يفرقن بين الزوج وزوجته، يقتنع بأن المغرب لديه احتياطي كبير من السحرة، إلى درجة أنه أصبح يصدرهم إلى الخارج.
وهكذا سيصبح لدينا طلبة يعدون ماستر في سحر «الثقاف»، وآخرون يعدون ماستر في سحر «الربطة»، مع إمكانية وجود تخصصات أكثر دقة داخل هذه الشعب، كأن يختار الطالب مثلا ما بين «الربطة الزغبية» و«الربطة» العادية. ويستحسن أن تتعاقد وزارة التعليم العالي مع تلك الساحرة، غير الشمطاء، التي ظهرت مؤخرا من أكادير على شاشة قناة «إم بي سي» وهي تشرح بالتفصيل الممل للمغاربة ولجمهور العالم العربي خلطاتها السحرية المخيفة المكونة من «زغب الحمام» و«خروج بنادم» ومواد أخرى سامة، تستعملها للتفريق بين الزوج وزوجته، كما تستعملها لإسقاط شعر المرأة و «تبصيل» رأسها، وتدمير جسدها بالموت البطيء . وندعو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لاستدعاء هذه السيدة إلى مختبراتها والاستفادة من «سوابقها» السحرية المدمرة، مادام أن وزارة الداخلية تعتبر ظهور مواطنة مغربية في قناة فضائية واعترافها الصريح بالقيام بتسميم المواطنين وإلحاق الأذى بهم عن سبق إصرار وترصد، مسألة لا تدعوها إلى تحريك مصالحها الأمنية بأكادير لاعتقال هذه السيدة واستنطاقها حول ما تقوم به من أعمال سحرية تضر بسلامة وصحة المواطنين.
فمصالح وزارة الداخلية مجتهدة فقط عندما يتعلق الأمر بإغلاق دور القرآن، أما دور السحرة والمشعوذين فتتساهل معهم. مع أن القانون واضح في هذا الباب، ويأمر باعتقال وإغلاق المحلات التي يمارس فيها النصب والاحتيال. والسحر والشعوذة في القانون المغربي يدخلان ضمن باب النصب والاحتيال.
أما «واحد» وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المؤسسة المسؤولة عن الأمن الروحي للمغاربة، فيبدو أنها غير معنية بهذه «السمعة» المخيفة التي يعطيها أمثال هؤلاء السحرة والمشعوذون عن المغرب في الخارج، خصوصا في الدول العربية. وكيف ستتدخل وزارة «السي» التوفيق لإغلاق دور الشعوذة وهي غير قادرة حتى على مجرد إغلاق دار للدعارة في عمارة تابعة لأملاك الأوقاف في طنجة.
وشخصيا لم أملك سوى أن أردد في داخلي «لا حول ولا قوة إلا بالله» وأنا أسمع أن نظارة الأوقاف في طنجة أرسلت إلى وزارة الأوقاف في الرباط رسالة تطلب فيها منها العمل على إخراج إحدى السيدات من شقة في عمارة الأوقاف بسبب الأعمال المشينة التي تقوم بها والتي يشتكي منها كل سكان العمارة ووقعوا عريضة استنكارية ضدها ووجهوها إلى ولاية الأمن.
وإذا كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عاجزة عن تنظيف ممتلكاتها العقارية من دار للدعارة، فكيف سنطلب منها العمل على إغلاق دور الدعارة والسحر والشعوذة في عمارات الآخرين.
ثم لماذا أصلا نقترح إحداث تخصصات مثل ماستر «التبوريضة» والسحر في الجامعات المغربية. لسبب بسيط جدا وهو أن هذه التخصصات الجامعية هي التي تصلح لهذه المرحلة في المغرب. خصوصا عندما نرى أن المهندسين المغاربة من خريجي «مدرسة الطرق والقناطر» الباريسية العريقة، والذين يديرون شؤون البلاد، أظهروا أنهم غير قادرين على بناء قناطر وطرق حقيقية تصمد أمام الأمطار.
وقد انتظر كريم غلاب وزير التجهيز والنقل، وخريج مدرسة الطرق والقناطر، حتى أتت الفيضانات على أغلب الطرق والقناطر في الشمال والشرق وأصبحت مدينة تازة مدينة مقطوعة عن العالم، لكي يفكر في فتح تحقيق في الأيام القادمة حول البنيات التحتية التي ذابت في هذه المناطق مثل قطعة سكر وسط المياه.
فالمهندس كريم غلاب بهذه «الهدة» التي يحاول القيام بها يريد أن يلقي باللائمة في ما وقع في الشمال والشرق على الشركات التي فازت بصفقات إنجاز هذه البنيات التحتية، والتي لم تحترم ما تنص عليه دفاتر التحملات الوزارية.
والحال أن الذي يتحمل المسؤولية المباشرة في كل هذا الغش الذي أماطت عنه اللثام الفيضانات الأخيرة هو وزير التجهيز أولا، ثم بعده تأتي لائحة المسؤولين الذين سيقتسمون معه نصيبهم من المسؤولية. وتبقى فكرة فتح تحقيق في مدى مطابقة أشغال البناء في المناطق المنكوبة لدفاتر التحملات مجرد مزحة لن يصدقها أحد. فسعادة الوزير المهندس لم يفتح تحقيقا حتى عندما تسربت المياه من سقف محطة الوصول الثانية في مطار محمد الخامس الدولي، وأغمض عينيه عن هذه الفضيحة التي لو وقعت في دولة تحترم نفسها لأقيل مدير المكتب الوطني للمطارات على الفور.
والمحير في صمت وزير التجهيز عن فضيحة تسرب المياه إلى المحطة وربط مدير المطار للتسرب بأشغال تثبيت المكيفات الهوائية في السقف من طرف التقنيين، هو معرفة الوزير بأن نظام التكييف الهوائي المعطل الذي وضعته شركة «SGTM» لازال تحت الضمان، والذي يمتد إلى سنتين. إذن فما حاجة المدير إلى تكليف تقنيي المطار بوضع مكيفات جديدة في السقف، مادامت شركة القباج التي تكفلت ببناء المحطة الثانية ملزمة بإصلاح نظام التكييف الذي انطلق في سبتمبر من السنة الماضية ولم يقفل بعد سنته الثانية.
وليس نظام التهوية والتكييف وحده الذي لازال يوجد تحت الضمان، بل كل المعدات التقنية المختلة الأخرى، كنظام التحكم في الأمتعة، واللائحة الإلكترونية الكبيرة لأرقام الرحلات، وإضاءة البهو. فكل هذه المعدات لازالت تحت الضمان وليس من حق تقنيي المطار، الذين يتهمهم مديرهم بالوقوف وراء تسريب «القطرة»، أن يضعوا أيديهم فيها. فالشركة التي اشترتها وركبتها هي المخولة قانونيا داخل آجال الضمان القانوني بإعادة إصلاح أعطابها أو تغييرها.
ولو أن المكتب الوطني للمطارات التابع لوزارة التجهيز كان يفتقر إلى مكتب خاص بجودة الخدمات، لكان الأمر أهون، أما وأن المكتب يتوفر على هذا المكتب وهذا المكتب لديه رئيس، فهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الشواهد العلمية التي يملكها رئيس هذا القسم حتى يعطي الضوء الأخضر ويوقع بالموافقة على جودة الخدمات التي قدمتها شركة «SGTM» للمكتب الوطني للمطارات.
عندما نرى كيف يمر بعض الأعوان بسرعة البرق إلى رتبة رئيس قسم ثم بعد ذلك إلى رتبة مسؤول عن وحدة، فقط لأنهم ينحدرون من عائلة المدير، نتوقع الأسوأ. ومن هنا تبدأ الكوارث التي يريد البعض إرجاعها إلى الطبيعة وحدها، فيما العامل البشري يتحمل فيها النصيب الأكبر من المسؤولية. وكل من يريد أن يفهم طبيعة العقلية التي تتحكم في تسيير الشأن العام اليوم بالمغرب، ما عليه سوى أن يذهب إلى موقع «يوتوب» لكي يشاهد شريطا حول تهافت ممثلي السكان وأعيان المدينة ومسؤوليها على الملاسة في حفل تدشين بمدينة تارغيست. فقد دام «حفل» وضع الحجر الأساس ربع ساعة تناوب خلاله جميع الحاضرين على التبرك بالملاسة، وتبليط «حقهم» من السيما.
وما بين تهافت البرلمانيين والمستشارين على الحلوى في افتتاح الدورة الخريفية، وما بين تهافت الوالي وأعوانه وممثلي السكان بمدينة تارغيست على الملاسة في حفل تدشين عادي، نفهم أين يضيع أولئك الذين عهدنا إليهم بأمورنا وقتهم.
وأحسن ما قرأت حول الشريط، هو تعليق لأحد المشاهدين لخص فيه كل شيء قائلا «بقات فيا غير الملاسة مسكينة».
بعدما كنا نعيش عصر التناوب على السلطة، أصبحنا نعيش اليوم عصر التناوب على «الملاسة». الجميع ينتظر دوره لكي «يملس بلاصتو»، إلا من رحم ربك طبعا.

رشيد نيني:الإخلال بالاحترام الواجب للوطن

لا يكاد يمر شهر دون أن نسمع عن محكمةمن محاكم المملكة تتابع شابا أمامها بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك. منذ عهد الحسن الثاني والمتهمون بهذه الجريمة يمرون أمام محاكم المملكة وينتهون في السجن. أحدهم لم يكن سوى تلميذ في قسم للإعدادي طلب الأستاذ منه، ومن زملائه، أن يحكوا له عن الأحلام التي رأوها مؤخرا. فلما جاء دور التلميذ لكي يروي حلمه، وقف وقال بأنه رأى فيما يرى النائم أن النظام في المغرب قد سقط. فهزها الأستاذ «سخونة» للمدير والمدير هزها بدوره قبل أن تبرد في يده إلى القائد والقائد إلى الباشا والباشا إلى العامل. وهكذا وجد التلميذ نفسه أمام القاضي يستجوبه عن هذا الحلم اليساري المتطرف الذي تجلى له في المنام. وكأن التلميذ كان عليه أن يبلغ عن نفسه لدى الشرطة بمجرد تورطه في هذا الحلم الذي زاره دون إرادته، حتى يتبرأ منه ويثبت حسن أحلامه، حتى لا نقول حسن نيته.
ورغم أن القاعدة الأصولية تقول بأن القلم مرفوع عن النائم حتى يستيقظ، إلا أن القانون المغربي لا يعترف، عندما يتعلق الأمر بالملكية، لا بالشواهد الطبية التي تثبت جنون وحمق الذين يقلون على الملك الاحترام، ولا بأحلام العاقلين النائمين منهم. فتم الحكم على التلميذ بالسجن النافذ. والعجيب أنه في الماضي كان المتهمون في مثل هذه القضايا يمثلون أمام القضاء مساندين بمحاميهم، وليس مثل اليوم حيث يحكم القضاء عليهم في أول جلسة دون تمتيعهم بحق الدفاع. وهكذا تدخل محامي التلميذ وقال للقاضي بأنه عندما يرسل تلميذا في السادسة عشرة من عمره إلى السجن فإنه يحرم المجتمع من مواطن كان يمكن أن يكون في المستقبل طبيبا أو مهندسا أو حتى رئيس دولة. وهنا وقفت للقاضي قرون الاستشعار بمجرد سماعه للمنصب المستقبلي الذي قد يحتله التلميذ. وبما أن نظام الحكم في المغرب ملكي، ولا يسمح لأي فرد من أفراد الشعب بأن يطمح لأن يكون في يوم من الأيام رئيس دولة، فقد أمر القاضي باعتقال المحامي ومحاكمته بسبب مجرد تخيله إمكانية تطبيق النظام الجمهوري ذات يوم في المغرب. وحكم عليه بسنتين سجنا نافذا، وهكذا كان قدر التلميذ أن يغادر السجن قبل محاميه.
واليوم، والمغرب يقترب من إقفال السنة العاشرة على انطلاق العهد الجديد، تصدر المحكمة حكما بالسجن في حق شاب في الثامنة عشرة من عمره لسنة ونصف، قبل أن تقرر متابعته في حالة سراح، لأنه كتب على الحائط شعار المملكة، وعوض شعار الملك فيه بشعار «البارصا».
الحكم اعتبره الجميع في المغرب قاسيا جدا، وكان يمكن أن يعالج بطريقة أخرى أقل تشنجا. أما جيراننا الإسبان فقد فقدوا صوابهم وجن جنونهم. خصوصا محبو فريق «البارصا». وذهبت إدارة الفريق البرشلوني إلى حد منح التلميذ ياسين بلعسل جواز سفر رمزي. ففي إسبانيا هناك ديانة يمارسها الملايين بخشوع عميق وهي كرة القدم. ويمكنك في إسبانيا أن تسب وتشتم الملك خوان كارلوس وعائلته وجذوره أجمعين، لكن عليك أن تنتظر الزوابع والتوابع إذا أنت غامرت وشتمت «البرصا» أو «ريال مدريد». فكرة القدم هي المقدس الوحيد عند الإسبان. وفي الوقت الذي تقفل الكنائس أبوابها بسبب ندرة المصلين تبني الدولة المزيد من الملاعب لاستيعاب ملايين المتعبدين في المدرجات والمتهجدين بترتيل الأناشيد الرسمية للفرق الكروية.
ولعل الجميع لاحظ أن العدالة المغربية بسقوطها في فخ إصدار هذه الأحكام المفرطة في القسوة في قضايا الإخلال بالاحترام الواجب للملك، ساهمت في إضفاء مسحة من السخرية السوداء على القضاء المغربي. فسمعنا الشاب المغربي المتابع في قضية «البارصا» يقول بأنه لم يكن يقصد بما كتب ملك المغرب وإنما ملك الجزائر. فنبهته المحكمة إلى أن الجزائر لديها نظام جمهوري وليس نظام ملكي. ولو أنني أختلف مع المحكمة الموقرة فيما ذهبت إليه بخصوص النظام الحاكم في الجارة الجزائر. فلا هو نظام جمهوري ولا هو نظام ملكي. خصوصا أن الرئيس بوتفليقة يستعد للجلوس على عرش قصر المرادية لولاية ثالثة على التوالي. وحتى إذا تخلى عن الرئاسة، أو تخلت عنه، سيرثها من بعده أحد رجالات الجيش الأقوياء.
وما قاله الشاب المتابع في قضية «البارصا» بخصوص ملك الجزائر، يشبه كثيرا تلك النكتة التي انتشرت في عهد الحسن الثاني، والتي تقول أن شابا أحمق هرب من البيت إلى الشارع وبدأ يشتم ويسب الملك. ولأن والدته كانت خائفة عليه من الاعتقال والمحاكمة بتهمة إهانة المقدسات، رغم شواهده الطبية التي لن تنفعه أمام القاضي، فقد كانت تركض خلفه وتصرخ ملء صدرها كلما أطلق ولدها شتيمة في حق الملك قائلة «وتاع صبانيا تاع صبانيا». وهكذا ظلت الأم المسكينة تركض وراء ابنها ناشرة هذا التوضيح في كل الأماكن التي يطلق فيها هذا الأخير شتائمه المجنونة، حتى تحميه من شر المتابعة.
وإذا كانت هذه الحكاية يرددها المغاربة على سبيل النكتة، فإن أحكاما قضائية صدرت مؤخرا تفوقت على هذه النكتة، بحيث تستحق أن تدرج في كتاب خاص بالأحكام الغريبة يكون عنوانه «غير شد كرشك وضحك». وأحد هذه الأحكام هو الحكم على سيدة وقفت أمام المحكمة تطلب الطلاق بستة أشهر سجنا نافذا، لأنها قالت للقاضي عندما سألها عن أسباب طلبها للطلاق بأن زوجها لا يهز ولا يحط، وأنه يبقى في البيت طيلة النهار واضعا رجلا فوق رجل «بحال شي ملك». وهكذا لم ينفع القضاء ولا مدونة الأسرة الزوجة في التخلص من زوجها الكسول، وإنما زوجها الكسول هو الذي تخلص منها بعد أن أرسلها القاضي إلى السجن بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك. مع أن ما قالته الزوجة ليس فيه أي قصد للإساءة إلى الملك، كما أنها لم تحدد عن أي ملك من الملوك تتحدث، فعددهم في العالم كبير. كما أننا لا نعرف هل تتحدث عن الملك كمنصب سياسي أم الملك كمنصب فخري كملك الجمال أو ملك كمال الأجسام.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه القضاء والإعلام بمتابعة المتورطين في تهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك، لم نسمع إلى حدود اليوم وكيلا للملك يتابع مسؤولا واحدا بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للوطن. مع أن الوطن هو أحد المقدسات الثلاثة التي ينص عليها الدستور في ديباجته. وعندما نطالع بلاغ وزارة الداخلية الذي تتحدث فيه عن مبلغ850 مليون سنتيم التي وفرتها الدولة لمساعدة منكوبي الفيضانات، ثم نستمع إلى رئيس مجلس العيون وهو يتحدث في ندوة بالدار البيضاء عن تخصيص مبلغ 600 مليون، أي نصف المبلغ الذي رصدته الدولة لضحايا الفيضانات، لمهرجان «روافد أزوان»، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن.
عندما نرى كيف خصص السيد مزوار وزير المالية مبلغ 23 مليون درهم في قانون ماليته للسنة المقبلة لميزانية عشب الغولف الملكي بالرباط، الذي يأتي إليه علية القوم لدحرجة كراتهم نحو الحفر وتسلية أنفسهم، ونقارن بين هذا المبلغ السخي ومبلغ 580 مليون سنتيم التي خصصتها الدولة لإنقاذ عشرات الآلاف من المنكوبين ومواساة العشرات من القتلى والمفقودين داخل حفر حقيقية هذه المرة وليس حفر الغولف الضيقة، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن.
عندما نرى كيف يمنح عمدة الدار البيضاء، محمد ساجد، مبلغ 580 مليون سنتيم للمخرج السينمائي نبيل عيوش لكي يبني قاعات سينمائية في الأحياء الشعبية بالدار البيضاء، ونقارن بين هذا المبلغ الذي أخذه شخص واحد وبين مبلغ 850 مليون سنتيم التي ستوزع على الآلاف من المواطنين لإعادة بناء مساكنهم المدمرة في طنجة والناظور والراشيدية وميسور وغيرها من المناطق، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن.
عندما تتبرع دولة أجنبية كإسبانيا على صندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هذا الأسبوع بمبلغ 200 مليار سنتيم (200 مليون أورو)، ونرى كيف «تتبرع» الدولة والحكومة المغربية على مواطنيها بهذا المبلغ التافه، الذي لا يساوي حتى ميزانية مهرجان سخيف من المهرجانات التي تعج بها المملكة، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن. لكن للأسف قلة الاحترام هذه في حق الوطن لا تستحق من أية جهة قضائية متابعة المتورطين فيها. فالوطن من كثرة ما أهينت كرامته ومرغت في الوحل أصبح متعودا على السماح في حقه. ولذلك نجح كل هؤلاء الذين يهينونه ويقلون احترامهم عليه يوميا في جعل ثلاثة ملايين من أبنائه يغادرونه من أول فرصة أتيحت لهم. والبقية يحلم جزء كبير منها بهذا «الفرار الكبير» كل ليلة.
وكما أننا لا نقبل أن يهان الملك أو يقلل أحدهم من الاحترام الواجب لشخصه، فإننا لا نرضى أيضا أن يهان الوطن ويهان أبناؤه باستصغار معاناتهم وازدراء أرواحهم وأرواح أبنائهم. أما الله تعالى فقادر أن يتولى من يهين اسم جلالته بعقابه أو رحمته التي وسعت كل شيء.

عيني فيه وما قديت عليه-رشيد نيني

بعد أطفال الأنابيب وأطفال الشوارع، يبدو أنه جاء الدور للحديث عن أطفال المراحيض. والخبر جاء هذه المرة من إحدى المؤسسات التعليمية الداخلية بالراشدية، بعد أن وضعت تلميذة قاصر تدرس بإحدى الثانويات مولودا داخل مراحيض الإعدادية.
وهكذا ففي الوقت الذي ينشغل الرأي العام والأمن الوطني بفتوى المغراوي حول زواج بنت التاسعة، نكتشف أن بنت الثانية أو الثالثة عشرة لا تكتفي بالمعاشرة الجنسية وإنما تلد أيضا.
وهذا يكشف أن الرأي العام والإعلام عموما ينجر أحيانا خلف النقاشات البيزنطية دون أن يقلب العملة لكي يرى وجهها الآخر. وأنا شخصيا أجد أن النقاش الذي يستحق أن يثار مكان كل هذا الصخب حول فتوى زواج بنت التسع، هو فضيحة تشغيل بنات التسع في البيوت كخادمات مثلا. وهذه الظاهرة الإجرامية منتشرة بشكل كبير في المدن، وحتى لدى بعض العائلات المتعلمة التي «تناضل» من أجل أن يتلقى أطفالهم تعليما سليما منذ سن السادسة. فنضالهم لا يشمل أطفال الآخرين، وخصوصا أولئك البنات الصغيرات دون سن العاشرة اللواتي يجلبونهن من البوادي والقرى ويحبسونهن في مطابخ بيوتهم وفيلاتهم وقصورهم مقابل راتب هزيل يتسلمه ولي الأمر، وبالنسبة للطفلة الأكل والشرب والنوم، أحيانا في أحضان أبناء هؤلاء العائلات الذين لا يتورع بعضهم عن تجريب أولى دروسهم الجنسية على الأجساد الغضة والطرية لهؤلاء الطفلات البريئات. هذا إذا لم يسبقهم الأب إلى استرجاع مراهقته المتأخرة في غرفة الخادمة.
ولعل النفاق المغربي يظهر بشكل واضح من خلال الصمت عن المآسي التي تنتج عن استغلال أبناء بعض العائلات وبعض الرجال المرضى جنسيا لهؤلاء الطفلات الخادمات، واللواتي ينتهين مرميات في الشارع بحملهن.
فمن سيصدق خادمة فقيرة وأمية وقاصرة جاء بها مشغلها من قرية نائية إلى المدينة، بأن «مول الدار» أو أحد أبنائه اغتصبها ورماها في الشارع. خصوصا مع كل هذا الفساد المعشش في المحاكم ومراكز الأمن.
وما على الذين جعلوا من فتوى المغراوي معركة حقيقية للدفاع عن البنات القاصرات، سوى أن يزوروا أقسام الولادة في المستشفيات العمومية لكي يروا عدد القاصرات اللواتي يضعن حملهن. ويحكي لي أحد أصدقائي الأطباء المتخصصين في الولادة أن الفتيات والنساء العازبات اللواتي يقصدن المستشفيات العمومية أصبحت أعدادهن في تزايد مخيف خلال الفترة الأخيرة. كما أن العناية الطبية بهذه الفئة من الحاملات العازبات تفوق في بعض المستشفيات العناية الطبية بالحاملات المتزوجات. وذلك راجع إلى ضغط الجمعيات النسائية والحملات الإعلامية المدافعة عن حقوق النساء العازبات «المشروعة». حتى ولو كان حملهن، في نظر القانون، غير مشروع.

ومبدئيا يجب تقديم العناية الطبية في حالة احتياجها للجميع، بغض النظر عن كون المرأة المحتاجة للعناية أما عازبة أو متزوجة. فتقديم المساعدة لامرأة أثناء الولادة يتجاوز النقاش السياسي والحقوقي ويتعداه إلى نقاش إنساني يستند على قسم أبوقراط، والذي يفرض على الطبيب تقديم المساعدة حتى لعدوه إذا كان يحتاج إليها.

وهذا يعني أن العناية الطبية بالنساء الحاملات بجميع أصنافهن يجب أن تبقى بمنأى عن المزايدات الحقوقية والسياسية، وأن تعالج في إطار صحي صرف.

وعوض أن تكون فتوى المغراوي حول زواج بنات التسع ذريعة مناسبة لإثارة انتباه القضاء لجريمة لا تقل فظاعة عن الأولى وهي تشغيل بنات التسع، وما يترتب عن ذلك من استغلال جنسي لكثير منهن وبالتالي تدمير وحشي لمستقبلهن، فضل القضاء أن يغمض عينيه. وبالمقابل فتحهما شكيب بنموسى وزير الداخلية، وأصدر مذكرة لجميع ولاة الجهات وعمال الأقاليم يأمرهم فيها بإغلاق وتشميع «مقرات دور القرآن التابعة، بشكل أو بآخر للمدعو المغراوي». وإلى اليوم وصل عدد دور القرآن المغلقة من طرف وزارة الداخلية إلى ستين دارا. عدد كبير منها لا علاقة له بالمغراوي ولا بجمعيته، وإنما هي دور قرآن تابعة لجمعيات أسسها منذ أكثر من عشر سنوات أساتذة وباحثون لا علاقة لهم بالمغرواي.

هنا نرى كيف تأخذ وزارة الداخلية مكان القضاء، المخول قانونيا بإصدار أحكام الإغلاق والمنع من مزاولة الأنشطة العمومية. وتترك لعمالها وولاتها تقييم درجة قرب هذه الجمعيات ودور قرآنها من المغراوي وجمعيته، خصوصا عندما تقول في مذكرتها الوزارية «جميع دور القرآن التابعة بشكل أو بآخر للمغراوي». فكلمة «بشكل أو بآخر» تعطي لمسؤولي الداخلية مجالا واسعا «للاجتهاد». ولهذا وصل عدد دور القرآن المشمعة في ظرف شهر واحد ستين دارا. ولو شنت وزارة الداخلية الحملة نفسها على دور الدعارة لما وصلت إلى نصف هذا العدد. والمثل المغربي يقول «كاليه واش كاتعرف العلم كاليه كانعرف نزيد فيه».

أكثر من ذلك، من خلال ما تقوم به وزارة الداخلية نرى كيف تستغل الدولة فضيحة زواج بنت التاسعة لكي تصفي حسابها مع جمعيات تعايشت معها منذ فترة البصري ووزيره في الأوقاف المدغري العلوي، الذي شهد المغرب في فترته المديدة العهد الذهبي للفكر الوهابي القادم من المملكة السعودية إلى المملكة المغربية على صهوة براميل النفط.

سأعطيكم مثالا أخر عن استغلال مصالح وزارة الداخلية للقضايا المعروضة في الإعلام والقضاء لتصفية حساباتها العالقة مع من تكون «عينها» وعين البعض فيها من زمان.

عندما اندلعت قضية السوريين وتهريب العملة من مطار محمد الخامس، سارعت الفرقة الوطنية إلى استدعاء المخرج محمد العسلي لاستفساره حول ليلة قضاها في ضيافته أحد السوريين المبحوث عنهم، دون علم العسلي طبعا بأمر البحث البوليسي بحقه.

وبالموازاة مع استدعاء المخرج محمد العسلي للاستماع إليه، سارعت وكالة المغرب العربي للأنباء والقناة الثانية وإحدى الصحف إلى خلط الأوراق وربط اسم المخرج محمد العسلي بشبكة تهريب وتبييض الأموال. ولم يتوقف خيالهم المجنح عند هذا الحد، بل ربط بعضهم عن سوء نية بين تمويل «المساء» وتبييض الأموال. وهي جريمة خطيرة يفترض أن نكون اليوم، لو صدقت أراجيفهم، متابعين بسببها أمام محكمة الجنايات. بعد أن اقتنعت الفرقة الوطنية أن علاقة المخرج محمد العسلي بالسوري المعتقل لا تتعدى استضافته ليلة واحدة في بيته دون علمه بمذكرة البحث في حقه، على افتراض وجود هذه المذكرة أصلا، قدم السوريون المعتقلون إلى المحاكمة، وأطلق سراح بعضهم فيما حكم بالسجن على البعض الآخر.

وفي الوقت الذي كان يجب على وزارة الداخلية أن تحقق مع المسؤولين الأمنيين الذين ذكرهم السوريون بالإسم في التحقيق، والذين سهلوا حصولهم على أوراق الإقامة وتواطؤوا معهم في تهريب العملة، اكتفت وزارة الداخلية بمعاقبة بعض هؤلاء الأمنيين المتورطين في شبكة السوريين بتنقيلهم إلى مدن أخرى. ربما لكي يستثمروا «سوابقهم» في «اختراق» شبكات التهجير وتبييض وتهريب الأموال، كما صنعوا مع شبكة السوريين في المحمدية.

وبينما يمارس هؤلاء الموظفون الأمنيون أشغالهم بشكل عادي وكأن لا شيء وقع، تفضل الفرقة الوطنية هذه الأيام إزعاج المخرج محمد العسلي وشغله عن تصوير أفلامه السينمائية باستدعائه من يوم لآخر لسؤاله عن عدد الليرات التي كانت في حساب بنكي قديم في أحد بنوك روما سنة 1984 عندما كان يعيش مهاجرا هناك. بالله عليكم هل هناك شخص واحد يتذكر كم كان حسابه البنكي «هادي 24 عام». «واش ماشي قلة الشي هادي».
وفي الوقت الذي تتكفل الفرقة الوطنية بين يوم وآخر باستدعاء المخرج محمد العسلي للتدقيق معه في ممتلكاته، بعد أن فشلت في إيجاد علاقة بينه وبين شبكة السوريين، تتكفل جهة إعلامية متخصصة في الكذب والتشهير بنشر صورة محمد العسلي «مرصعة» بخبر استدعائه من طرف الفرقة الوطنية و«مزينة» بتهم ثقيلة كتبييض الأموال وتهريب العملة وجرائم مالية أخرى يفترض أن يكون محمد العسلي، إذا ما صدقنا أراجيف هؤلاء الأفاقين، معتقلا قيد التحقيق، لا حرا طليقا كما هو الأمر في الواقع. إذا فالحكاية وما فيها هي أن هناك جهات استغلت قضية شبكة السوريين لكي تشوه سمعة أحد المساهمين في الشركة التي تصدر جريدة «المساء». وحملة التشويه هذه مستمرة على قدم وساق، وتحظى بتنسيق محكم بين من يحركها ومن يسهر على نشر أكاذيبها.
وإذا كان الصديق محمد العسلي يتعرض لهذه الحملة التشويهية المسعورة على مستوى بعض المنشورات الورقية، فأنا شخصيا أتعرض لحملة تشويه لسمعتي عبر المواقع الإلكترونية، وخاصة موقع «الفايس بوك» العالمي. حيث ينتحل بعض هؤلاء المسخرين اسمي وصورتي من أجل تحديد مواعيد في الفنادق بالدار البيضاء مع شخصيات عمومية من مختلف مدن المغرب، وتركهم ينتظرون هناك لساعات. وكم كانت مفاجأتي كبيرة عندما اتصل بي رضى الطاونجي، رئيس جمعية الصحراء المغربية، الأسبوع الماضي يسألني عن سبب تأخري عن الموعد الذي جاء لأجله من أكادير. فقلت له أنني لم أحدد معه أي موعد، فأخبرني أنه ليس الوحيد الذي ينتظر في صالة الفندق، وإنما هناك أكثر من عشرة أشخاص جاؤوا من جهات المغرب الأربع بناء على موعد ضربته لهم من خلال صفحتي في موقع «الفايس بوك».
أكثر من ذلك، هناك امرأة تبحث عني لكي تستفسر عن مصير عشرين ألف درهم سلمتها لوسيط تقول أنني أرسلته إليها مقابل أن أكتب عن مشكلتها في الجريدة. وأفظع من ذلك، تلك القارئات اللواتي يسألنني عن سبب كل تلك المواعيد الغرامية التي أحددها لهن نهاية الأسبوع عبر موقعي في «الفايس بوك»، الذي بالمناسبة لا أملك أية صفحة به أو بغيره من المواقع.
إن الغرض من هذه الحملات المضللة هو تشويه سمعتي، وإعطاء صورة سلبية عني للقراء والرأي العام. فهم يعرفون أن سمعتنا هي رأسمالنا الحقيقي الذي لا يباع ولا يشترى، ولذلك يوظفون كل رأس مالهم من المكر والخبث والدسائس للإجهاز على هذه السمعة.
لكن هيهات أن ينجحوا، فما يبنى طيلة عشرين وثلاثين سنة، لا يهدم في عشرين أو ثلاثين يوما. اللهم إذا كان بعضهم يتصور أن هذه السمعة مبنية بالكارطون، وإنهم لغالطون.